اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 172
ولهذا لا يمكن أن
نفهم حقائق (الدين) بمجرد فهرسة مماثلة لجميع الأشكال الموجودة في المجتمعات باسم
الدين.
لقد قلت له حينها،
وقد خف بعض كبريائي: أراك انتقدت منهج بحثنا عن الإله.. فما المنهج الذي تراه
سليما للبحث عنه؟
فقال: هذا أهم
سؤال طرحته.. وينبغي لأي باحث أن يطرحه.. فقضية العصر الحاضر وكل العصور ضد الدين
هي قضية طريقة الاستدلال.. سأضرب لك مثالا يوضح ذلك..
في بداية القرن العشرين كنا كذلك نملك
تلسكوبا ضعيفا، فلما شاهدنا السماء بهذا النظار وجدنا أجراما كثيرة كالنور،
فاستنبطنا أنها سحب من البخار والغاز تمر بمرحلة قبل أن تصير نجوما، ولكنا حين
تمكنا من صناعة منظار قوى وشاهدنا هذه الأجرام مرة ثانية علمنا أن هذه الأجرام
الكثيرة المضيئة هي مجموعة من نجوم كثيرة شوهدت كالسحب نتيجة البعد الهائل بينها
وبين الأرض.
وهكذا نجد أن
التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين، وأن العلم لا ينحصر في الأمور
التي شوهدت بالتجربة المباشرة.
لقد اخترعنا
الكثير من الآلات والوسائل الحديثة للملاحظة الواسعة، ولكن الأشياء التي نلاحظها
بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية وغير مهمة نسبيا، أما النظريات التي يتوصل
إليها بناء على هذه المشاهدات فهي أمور لا سبيل إلى ملاحظتها.
والعلم الحديث لا يدعى ولا يستطيع أن يدعى
أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة، فالحقيقة أن (الماء سائل)،
ونستطيع مشاهدة هذه الحقيقة بأعيننا المجردة، ولكن الواقع أن كل (جزيء) من الماء
يشتمل على ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين، وليس من الممكن أن نلاحظ هذه
الحقيقة العلمية، ولو أتينا بأقوى ميكروسكوب في العالم، غير أنها ثبتت لدى العلماء
لإيمانهم بالاستدلال المنطقي.
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 172